-A +A
صالح الفهيد

في تصوري أن واحدة من أكبر المشكلات التي أفرزها التعصب الرياضي، أو هي أفرزته، لست أدري أيهما أول، ولست متأكدا أيهما السبب وأيهما النتيجة، هي سيطرة الاستفزازيين على المشهد الإعلامي الرياضي في بلادنا، فهم الآن يتصدرون وسائل الإعلام المختلفة، لا صوت يعلو فوق صوتهم، وأينما يممت وجهك شطر قناة تلفزيونية، أو صحيفة، أو حسابات التواصل تجدهم ملء السمع والبصر.

لقد قاموا من حيث ندري ولا ندري بوضع اليد على صحافتنا الرياضية، وبرامجنا التلفزيونية، بل على مشهدنا الإعلامي بكامله، وأثبتوا لنا بالدليل والبرهان أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق أحيانا، فقد تراجعت وغابت، بل غيبت أصوات العقل والحكمة من الساحة، لم يعد لهم حضور، ولا مكان، وإذا حضروا أصبحوا كالأيتام على موائد اللئام.

صارت الآراء الموضوعية والعاقلة والناضجة بضاعة كاسدة لا تجد من يطلبها، ولا من يصغي إليها، واضطر أصحاب هذه البضاعة إلى الانسحاب من السوق، وتركه لمن بضاعته الاستفزاز، والأكشنة، والفهلوة، وصناعة القضايا التافهة.

وأخطر ما في هذه الهيمنة التي فرضها هؤلاء الاستفزازيون على مشهدنا الإعلامي الرياضي هي أنها كرست اعتقادا بات يترسخ يوما بعد آخر في أذهان الإعلاميين الجدد ملخصها هو «أن طريق البروز والشهرة والأضواء هو أن تكون مستفزا لجمهور النادي المنافس، مدافعا بعدوانية وشراسة عن ناديك بالحق والباطل، لا يهم أن تكون مهنيا، ولا مثقفا، ولا مطلعا، فقط عليك أن تتعلم كيف تكون استفزازيا»، وتثبت أن «العربات الفارغة أكثر ضجيجا».

وبالطبع ليس من السهولة والبساطة أن تكون استفزازيا، فهذه تتطلب جملة من المهارات، أهمها أن تنزل إلى الدرك الأسفل من لغة الخطاب، وأن لا تستحي وأنت ترتطم بالناس أو ترتطم بالحائط، وأن تكون بذاكرة سمكة فتنسى اليوم ما قلته وكتبته بالأمس، وأن تكون مستمتعا وأنت تلوي الحقائق، وتزور الوقائع، وتتلاعب بتاريخ ناديك والأندية الأخرى، وأن تتلذذ وأنت تستعمل تلك التعابير التي تبدو كما لو أنها تتساقط من صهاريج الكراهية وتجعل المشاهدين لا يترددون في البصق على الشاشة، أو الجريدة التي تطل عليهم من خلالها.

وللحديث بقية ..